النهار العربي
نبيل بو منصف
لبنان والسنة الجديدة: الإستباحة الإقليمية أشد خطورة
يكاد التأزم الداخلي المتصاعد في لبنان جراء الانسداد السياسي الحاصل منذ اكثر من شهرين، كما بسبب تراكم الأزمات الناجمة عن الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي، يحجب البعد العميق الأساسي المتحكم بجوانب كثيرة من المصير اللبناني وهو المتصل بالعوامل الإقليمية البالغة السلبية التي تحاصر لبنان. ذلك أنه على رغم أن الصوت الأكثر ارتفاعا في الظروف الحالية ضد الهيمنة الإيرانية على الوضع "الدولتي" (نسبة الى دولة) في لبنان من خلال النفوذ الحاسم لـ"حزب الله" على السلطة هو صوت البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي لا تخلو عظة من عظاته من التنديد بمصادرة فئة بعينها لقرار الدولة، فان ذلك لا يكفي وحده لتسليط الأضواء على الأخطار المتصاعدة على لبنان بسبب اشتداد وطأة أوضاع إقليمية لا تبدو مؤشراتها المقبلة في مصلحة فك أسر ارتهانه كورقة مساومة او ساحة لممارسة الضغوط التي تخدم حالياً إيران تحديداً، أقله في المدى المنظور.
ولعل المشكلة الكبيرة التي تضاف إلى مروحة ضخمة من الأزمات والمشكلات التي يعاني منها اللبنانيون تتمثل في أن انفراط تحالف قوى 14 آذار السابق أدى الى اختلال جوهري بالغ الخطورة في ميزان القوى الداخلي بحيث بات "حزب الله" منفرداً يهيمن على واقع السلطة بنسبة عالية ولن يكون من المضمون حتماً أن تعيد الانتخابات النيابية المقبلة، إذا قيض لها أن تجرى في أيار (المقبل) المقبل ولم تتعرض للتعطيل بفعل قسري أمني أو سياسي مفتعل، تصويب ميزان القوى هذا ما لم تحمل صناديق الاقتراع نسبة مرتفعة من النواب المستقلين إلى جانب نواب كتل حزبية تقليدية من التحالف المسمى سيادياً سابقاً.
ووسط انطلاق العد العكسي لهذا الاستحقاق المصيري فإن لبنان يبدو عرضة لمزيد من التوظيف الإقليمي كما لتسديد الأثمان الباهظة لتسخيره ساحة مستباحة لمصالح إيران وطموحاتها . ذلك أن اشتداد التأزم في حرب اليمن كشف مزيداً من التشابك في هذه الحرب وتورطات "حزب الله" من خلال ما كشفه التحالف المناهض للحوثيين وإيران بقيادة المملكة العربية السعودية من أدلة حاسمة على التورط القتالي والميداني المباشر لـ"حزب الله" في اليمن الامر الذي سيفاقم الى درجات عالية جديدة أزمة لبنان مع دول مجلس التعاون الخليجي برمتها بعدما بردت قليلاً بفعل الوساطة الفرنسية.
ثم إنه في الأشهر الأولى المقبلة من السنة الجديدة، أقله حتى أيار (مايو)، لن يكون الفرنسيون في وضع الجاهز دوماً للتدخل في إسناد مصالح لبنان العميقة كما فعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ انفجار مرفأ بيروت في الرابع من اب(أغسطس) من العام 2020 لأن المعركة الرئاسية الفرنسية بلغت مرحلة متقدمة جداً من الاحتدام وينخرط فيها ماكرون بقوة كونه الاوفر حظاً للفوز بولاية ثانية ولن تتقدم أي أولوية لديه حتى موعد الانتخابات على هذا الاستحقاق. أما العامل الخارجي السلبي الثالث فهو يتصل بإمكان بقاء لبنان ساحة عالقة ومعلقة بلا حسم أي أزمة فيه ما دامت معادلة المنطقة معلقة على مفاوضات فيينا الخاصة بالملف النووي الإيراني وما دامت ايران تتبع سياسات المراوغة في هذه المفاوضات مراهنة على"رخاوة " إدارة جو بايدن حتى الساعة.
ومن هنا اكتسبت أهمية مضاعفة المذكرة التي سلمها رؤساء الجمهورية والحكومات اللبنانيون السابقون أمين الجميل وميشال سليمان وفؤاد السنيورة وسعد الحريري وتمام سلام إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس لدى زيارته بيروت في أسبوع عيد الميلاد مطالبين فيها بإعادة الاعتبار بقوة لـ"اعلان بعبدا" الذي صدر في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان والذي يشدد على اتباع لبنان سياسة "النأي بالنفس" بعدما أدت تورطات "حزب الله" في ميادين الصراعات الإقليمية إلى خنق لبنان بتداعيات قاتلة. مع ذلك لا تبدو السنة الجديدة حمالة مؤشرات إيجابية إقليمية للبنان قبل اتضاح مدى تحرره ولو نسبياً من الربط الخطير بين توظيفه ساحة وتحلله مجدداً من قيود أودت به الى التهلكة
https://www.annaharar.com/arabic/makalat/annahar-alarabi-authors/26122021033243640