النهار
علي حمادة
مذكرة الرؤساء الخمسة: تكوين لحالة مُقاوِمة
ليس مهماً ما يحصل على مستوى الخلافات البلدية المحلية، ولا على مستوى تناتش المكاسب الصغيرة في السلطة كما هي الحال اليوم بين "#التيار الوطني الحر" و"#الثنائي الشيعي"، الامر الذي يستدرج حملات لشد العصب الانتخابي، والتوتير الطائفي الغرائزي الذي يتقن صناعته رئيس الجمهورية ميشال عون والبطانة المحيطة به، عندما يعجز عن الحصول على مبتغاه كما هي الحال اليوم، بعدما اجهضت الصفقة الوقحة التي كانت تُنسج بين فريق رئيس الجمهورية من جهة، و"الثنائي الشيعي" من جهة أخرى.
الأهم من ذلك كله هو القاء نظرة فاحصة على الصورة الاوسع التي تؤثر في لبنان. وهنا يمكن تعيين مذكرة الرؤساء السابقين الخمسة ، امين الجميل، ميشال سليمان، فؤاد السنيورة، سعد الحريري وتمام سلام التي سُلمت الاسبوع الماضي الى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس خلال زيارته الأخيرة الى لبنان. ولعل هذه المذكرة التي تشكل سابقة من حيث موقع الموقعين عليها، وتنوعهم المسيحي – الإسلامي. كما ان المضمون القوي الذي تضمنته المذكرة على اكثر من مستوى، لا سيما لجهة الإشارات الضمنية الى "حزب الله" كأهم عناصر الازمة اللبنانية الراهنة. ففي معظم بنود المذكرة ادانات مبطنة، وأخرى واضحة لطبيعة الحزب المشار اليه، وقيامه بإعاقة قيام مشروع الدولة اللبنانية. فالتشديد على الالتزام الكامل بالدستور، وباتفاق الطائف، يدين في مكان ما دور الحزب في قضم كل من الدستور واتفاق الطائف. والتأكيد على الالتزام بالانتماء العربي، وجميع قرارات الشرعية الدولية الخاصة بلبنان، ولا سيما القرارات 1559، 1680 و1701، يحمل في طياته تحديا لكل سلوك "حزب الله"، ولتسببه بسلخ لبنان عن بيئته العربية، وعرقلته تنفيذ القرارات الدولية. والإشارة الصريحة والواضحة التي تجمع للمرة الأولى منذ العام 2004 رؤساء جمهورية مسيحيين ورؤساء حكومات مسلمين الى القرار الأهم في تاريخ لبنان، عنينا القرار 1559 سابقة، وعظيمة الأهمية، لأنها تقطع مع المواقف المائعة التي تصدر عن رؤساء الحكومات المسلمين بشأن القرار المشار اليه. وأهمية التأكيد على الالتزام بالقرار 1559، تعيد وضع "حزب الله" امام استحقاق الشرعية الدولية، وتؤشر الى بدء تكوّن موقف مسيحي – إسلامي مشترك شبيه بالموقف الذي تكوّن في اعقاب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
واذا ما اضفنا البند المتعلق بـ"التزام اعلان بعبدا" الذي صيغ برعاية رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، وواجهه "حزب الله" بالتنصل، ثم بإعلان العداء للرئيس سليمان، فإن المذكرة تصبح اشبه بطوق وطني "توافقي" قيد التبلور لمواجهة "حزب الله" الذي يعود البند الخامس من المذكرة الى الإشارة الى "رفض السلاح غير الشرعي" وهو ليس سوى سلاح "حزب الله"، فضلا عن السلاح الفلسطيني في المخيمات.
ماذا تعني الإشارة المتكررة الى "ضرورة بسط الدولة اللبنانية وأجهزتها العسكرية والأمنية سلطتها وحدها على كامل التراب اللبناني وعلى جميع مرافقها كما هو مقتضى السيادة وحكم القانون والشرعية"؟ ألا تعني صراحة ضرورة نزع سلاح "حزب الله" باعتباره نقيض الدولة، والسيادة؟
ان المذكرة الرئاسية الخماسية وثيقة عظيمة الأهمية في ظل تراكم مواقف عربية ودولية تحمل المضامين نفسها. فمن "بيان جدة" السعودي – الفرنسي، الى البيانات الثنائية المشتركة السعودية – الخليجية، وصولا الى بيان قمة الرياض الخليجية، مناخ واحد يحتاج "مناخا" لبنانيا شبيها بالمناخ الذي رافق معركة التمديد، وبدء الاغتيالات "الممانعة".
https://www.annahar.com/arabic/authors/27122021070608023