أبو يوسف ستبقى حاضراً
اللواء
صلاح سلام
أبو يوسف ستبقى حاضراً
محمد يوسف بيضون لم يكن أحد نواب بيروت الناشطين وحسب، ولا مجرد وزير عادي عدة مرات فقط، ولا المقرر الفاعل للجنة الموازنة والمال في مجلس النواب لدورات متالية. بل كان أيضاً سنديانة بيروتية أصيلة تبسط ظلالها على مختلف المناطق البيروتية، وتمد يدها للمساعدة لكل اللبنانيين، دون تمييز طائفي، ودون تمايز مناطقي.
الحديث عن «أبو يوسف»، وهو الإسم المحبب لقلبه، يرسم صورة وطنية متكاملة لرجل دولة من الطراز الرفيع. يعمل بلا كلل للمصلحة العامة، يحافظ على الأنظمة والقوانين المرعية الإجراء، يسعى لتحقيق كل ما يخدم الناس، ويتصدى للصعوبات والتحديات بالحكمة وطول الإناة، بعيداً عن أساليب البهورة وعرض العضلات
كان جريئاً بمواقفه، صريحاً في كلامه، أميناً في تحالفاته.
بدأ حياته النيابية في إنتخابات ١٩٧٢، وبقي عضواً في كتلة الرئيس صائب سلام، حتى نهاية ولاية المجلس النيابي الذي توصل أعضاؤه إلى وضع إتفاق الطائف. إنتقل بعدها إلى التعاون مع الرئيس سليم الحص منذ إنتخابات ١٩٩٢، بعدما قرر الرئيس سلام عدم الترشح، ولاحقاً تضامن مع المقاطعة المسيحية لأول إنتخابات بعد الطائف.
حافظ «أبو يوسف» على تحالفه مع الرئيس سليم الحص، رغم ما كان يحصل بينهما من تباين في المواقف من بعض القضايا المستجدة. ورفض نائب بيروت المخضرم كل أساليب الترغيب والترهيب لفك تحالفه مع الرئيس الحص، حيث عرضت عليه الوزارة أكثر من مرة مع الرئيس رفيق الحريري، ولكنه كان يعتذر بلباقته المعهودة، رغم الصداقة التي نشأت مع الرئيس الشهيد، والتي قامت على التقدير والإحترام المتبادل بين الرجلين، وتكرار زيارات «أبو يوسف» إلى قريطم.
في ذروة الحملة الغبية على الرئيس الحريري في مطلع عهد الرئيس أميل لحود، وعشية إنتخابات عام ٢٠٠٠، عرض زعيم المستقبل على «أبو يوسف» الإنضمام إلى لائحته عن المقعد الشيعي في بيروت، التي كانت في حالة غليان ضد الحملة الرسمية على الحريري، والتي ضاعفت التأييد الشعبي للائحة قريطم، بما يضمن فوز كل أعضاء اللائحة، في وجه لائحة الموالاة برئاسة الرئيس الحص، الذي كان رئيساً لحكومة الإنتخابات. فكان أن رفض «أبو يوسف» العرض الحريري، رغم ضمانات الفوز ، التي لم تكن متوفرة للائحة الحص. وعندما سألته يومذاك عن سبب رفضه الإنضمام إلى الفريق الرابح سلفاً، وهو كان متيقناً من خسارة لائحته، أجاب بكلمات إختصرت سيرته النقية:
الإخلاص والأمانة أهم من النيابة وكراسي السلطة.
في السنوات الأخيرة، إلتقينا معاً في «لقاء الجمهورية» برعاية الرئيس المؤسس ميشال سليمان، حيث تولى «أبو يوسف» نيابة الرئاسة، وكان يحرص دائماً على حضور الجلسات والمشاركة في النقاشات، رغم ما كان يعانيه أحياناً من عوارض صحية، إيماناً منه بمبادئ الإعتدال والإنفتاح والحوار مع الآخر، حيث ضم «اللقاء» نخبة من المفكرين وأهل الرأي من مختلف الطوائف، ومن كل المناطق، وقام على رفض الطائفية البغيضة، ورفع راية الدولة المدنية، والتمسك بمندرجات إتفاق الطائف، وصولاً إلى إلغاء الطائفية السياسية.
كان إيمان «أبو يوسف» بالوحدة الإسلامية راسخاً، لأنها المدماك الأساس للوحدة الوطنية، والتي كانت تتجلى بأبهى صورها الحضارية في إحياء ذكرى عاشوراء في الكلية العاملية، حيث كان الخطباء يختصرون النسيج الوطني بمختلف ألوانه الطائفية، تأكيداً لرسالة الحسين الإنسانية.
«أبو يوسف» ستبقى حاضراً بإنجازاتك في العاملية، بخطابك المحب لبيروت، بولائك المخلص للبنان وطن نهائي لكل أبنائه، وبإيمانك بالدولة المدنية، ونبذك للطائفية السياسية.