03 تشرين الأول 2024
سليمان: نحتاج رئيساً للجمهورية لا يستفز احداً ازمة النزوح بدأت انسانية وانتهت وجودية لا بديل من العودة الى اعلان بعبدا
مجلة الامن العام عدد تشرين الاول 2024
مقابلة
العميد منير عقيقي – جورج شاهين
سليمان: نحتاج رئيساً للجمهورية لا يستفز احداً
ازمة النزوح بدأت انسانية وانتهت وجودية
لا بديل من العودة الى اعلان بعبدا

فرضت التطورات التي شهدتها الساحة اللبنانية والمنطقة البحث عن كيفية مقاربتها ومواجهتها بالعودة الى من يمتلك تجربة سابقة وشارك في معالجة ازمات متشابهة بوجوهها المختلفة من مواقع عسكرية وسياسية لو بفوارق محدودة في محاولة لاجراء قراءة لها تؤدي الى استخلاص العبر والاضاءة على المخارج الممكنة. فالازمة استفحلت وبلغت حدوداً كبيرة تفوق قدرة اللبنانيين على التحمل.
الامن العام اجرت حديثاً مع الرئيس السابق للجمهورية العماد ميشال سليمان  شكل قراءة شاملة للتطورات، فرأى ان ما شهدناه في الايام الاخيرة لم يتبادر الى اذهان العسكريين وان لبنان في حاجة الى رئيس للجمهورية لا يستفز احداً بعد جلسات حوار لا تتطرق الى الاسماء، والعودة الى ما قال به اعلان بعبدا اذ لا بديل منه. وبعدما رأى ان القرار 1701 ما زال صالحاً لتحقيق التهدئة في الجنوب، دعا الى صيغة توفر التأمين الصحي والتقاعد للعسكريين. وانتهى الى القول ان ازمة النازحين السوريين بدأت انسانية وانتهت وجودية.
    كيف قرأ الرئيس ميشال سليمان ما حصل في 17 و18 ايلول عندما تم تفجير شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله؟
الحقيقة تدعونا الى التنبه بأن قواعد الحرب التي كنا نعرفها قد تغيرت في مجالات عدة حيث اصبحنا في مرحلة الاتكال واستثمار كل اشكال التكنولوجيا والمسيرات، وهي امور لم تكن من قبل. الفوز بالحروب يعتمدعلى المفاجأة، ولم يعد الكلام عن الربح الخالص منطقاً صحيحا. لدينا في الفترة الماضية اكثر من مثل، فقنص المجاهدين بالمسيرات اعتبر مفاجأة، قبل ان يأتي ما هو اكبر منها عندما تم تفجير شبكتي النداء " البيجر" والاتصال ال"التوكي ووكي". قبل اي توصيف لهما، انه عمل يحتمل كل صفات جرائم الحرب وانتهاك لحقوق الانسان عند تفجيرها في المنازل والمكاتب والشوارع بين الناس. وهو امر مدان، قبل ان نسأل عمن نصح بها، ومن عقد الصفقة وما هي مسؤوليته. اسفي علآ الضحايا والشهداء من الشباب الذين التزموا قضية تفانوا من اجلها.
    هل يمكن بت النظرة الى ما حصل عند تفجير الشبكات قبل ان تقول التحقيقات كلمتها؟
ما افهمه انه لا يوجد في الحرب رابح بل فيها من يخسر اقل، ومن تدمر له منازل اقل، ومن تدمر له منازل اقل ومن يقتل له اقل، وكم هو قادر على التعويض ازاء الدمار الذي لحق به. وهذا امر يقودنا الى التشبث ان كان ما حصلت بداية حرب واسعة، او ان العدو اضطر الى استعجال تنفيذها لسبب ما، لكن في الحالتين النتيجة واحدة. ما لاحظته ان الشباب اللبناني تعرض لضربة كبيرة جداَ وربما تم التعويض عنها بالتفاف الناس وتضامنهم، لكن لا يأخذن احد بهذه الالتفافة وهذا الاحتضان على خلفية مساندة غزة. ان رفعنا القبعة للذين ساندوا من كل لبنان واشدنا بجهود الدفاع المدني والجسم الطبي كاملاً، فهذا لا يعني اننا ننكر بأن ما حصل جريمة انسانية. السؤال الوجيه لماذا لم نتلزم بدعم غزة بطريقة لجأت اليها عند دعوتي الى طاولة حوار مطلع العام 2009، انتهت الى الامتناع عن التدخل هناك. كان حزب الله معنا على الطاولة حين تم التوافق على عدم التدخل. لم نقصر في تأييدهم، ووقف رئيس جمهورية لبنان يومها وقال للعالم كله ان المقاومة حق. على الرغم من ذلك، لم نكن نعلم ما تفعله المقاومة الا عند احصاء الشهداء. للاسف، كان غيرنا يعرف اكثر منا. في المناسبة عندما اعلن يوماً عن ارسال طائرة الاستطلاع "ايوب" الى الاجواء الاسرائيلية علم بها الجانب الايراني قبلنا، وهو امر لم اقبله في حينه. فان كانت متلازمة مع الجيش والشعب في تلك الثلاثية، لماذا انا الذي يمثل الشعب لم اعلم بها؟ ولماذا لم يعلم بها الجيش؟
    ما هو المتوقع على مستوى الازمة الدستورية وقد اقتربنا من بداية العام الثالث للشغور الرئاسي؟ وهل نحن ملزمون انتظار تفاهمات خارجية تسمي لنا الرئيس كما حصل في مؤتمر الدوحة عام 2008 عند تسميتك مرشحاً توافقيياً؟
للاسف نحن دائماً في حاجة الى من يحل لنا مشاكلتا. للتذكير، كنت قد انتخبت قبل ذلك في الشارع. بعدها قالت قوى 14 اذار في بيان لها كلمتها، ولم يكن هناك مرشح اخر. بعدها جاءت احداث 7 ايار، وقيل يومها ان هناك اطرافاً لديها مطالب ولن تنتخب. ثم جاء وفد الجامعة العربية برئاسة رئيس حكومة قطر الشيخ حمد الى لبنانوانجزوا اتفاق بيروت، ونادوا بعدها بانتخاب المرشح التوافقي العماد ميشال سليمان. مع التذكير بانه حددت مواعيد لجلسات طيلة فترة الشغور، ولكن لم تعقد اي جلسة. انا اذكر ذلك لهدف مهم، ولاقول اننا ملزمون التوافق والطائف والدستور. من المهم ان نتعظ من التجارب السابقة، فننتخب رئيساً لا يستفز احداً. والدلائل كثيرة في تاريخنا، وان لم اشأ الدخول في الاسماء اليوم، نستحضر جميعنا عند الاشارة الى هذه الصفة رئيسي هما فؤاد شهاب والياس سركيس وهما لم يستفزا اي طرف او شخص. وعليه، ان لم نعالج قضيتنا لا يستطيع احد ان يعالجها، وان انجزنا شيئاً وجاء من يعيقه يمكن ان تساعدنا الخماسية فتتكرر تجربة الدوحة. ان ظروف اليوم لا تشبه تلك المرحلة.
    كيف تنظر الى الدعوة الى طاولة حوار او تشاور قبل عقد جلسة انتخاب بدورات متتالية؟ وهل ان انتخاب الرئيس يفرض عقد مثل هذه الطاولة؟
نظامنا الميثاقي يمثل كل الطوائف بغض النظر عن عددها، لكنه يحتاج دائماً الى صيانة عبر الحوار المستمر، ومن الافضل ان نقوم بذلك. بعيداً من هذا المنطق، فانني اشبه من يقول لا للحوار كأنه يقول: لا اريد الدخول الى الكنيسة او الى الجامع لمجرد انه لا يحب رئيس الطائفة. ما هو مطلوب ان نقول نعم للحوار بكل حسن نية للبحث في الكثير من العناوين من دون ان نلامس الاسماء، ذلك ان صندوق الانتخاب لا يوضع الا في المجلس النيابي. يمكن ان نتشاور في مواصفاته، وكيفية تنفيذ المادة 49 والنصاب الدستوري وبحاجتنا الى انتخابه وتطبيق القرار 1701، وهي خطوة يجب ان تسبق الانتخابات الاميركية.

    هل بامكاننا انتخاب الرئيس قبل وقف حرب غزة والجنوب، وهل علينا ان ننتظر التفاهم الاميركي- الايراني، وماذا لو طال انتظارنا؟
انه امر ملح ان ننتخب رئيساً للدولة، قبل ان نصل الى تطبيق القرار 1701 ذلك ان هناك ظروفاً عدة داخلية ودولية تفرض وجوده. لا يجب ان ننسى ان للرئيس 100 صفة في الدولة اللبنانية، فهو  القائد الاعلى للقوى المسلحة، وهو الذي يفاوض توصلاً الى المعاهدات الدولية، وهو من يرسم السياسة الخارجية ويعين السفراء، واخرى لا مجال ذكرها وهي من الصلاحيات اللصيقة بالرئيس التي لا يجوز تجييرها لاحد. لذلك نحن في حاجة الى الرئيس حالاً، وهي مهمة الحريصين على البلد. ما الاحظه اننا في مرحلة نلقى فيها دعماً خارجياً علينا الافادة منه. فكيف يمكن ان نفسر حرص بعض السفراء ورغبتهم في مساعدتنا، وهم يسألون عن الطريقة  الفضلى لدفعنا الى اتمام الاستحقاق. وعليه يجب ان نسعى الى استخدام السلالم لانزال كل من اعتلى السقوف العالية توصلاً الى تفاهم يضمن مصلحة البلد وهي موجودة، لكن اطلب تجد. انا لا اخفي قناعتي باننا اليوم في مرحلة نحتاج فيها الى اسم لا ينتمي الى اي من الاطراف، وهو اسم يجب ان لا يستفز احد. نحن لدينا نظام رائع وان اصيب بمرض علينا معالجته، ولا يمكن ان نستحي به او نتنكر لوجوده ويجب معالجته، وهو امر ينسحب على نظامنا العظيم، وما علينا سوى تطبيقه وحفظه ومداواته بشكل دائم.
    هل تخطت الظروف الداخلية والاقليمية ما قال به اعلان بعبدا، ام انه ما زال صالحاً ويجب احياؤه؟
ليس لدينا شيء غير اعلان بعبدا، ونحن لم نحيد في لبنان عن العدو الاسرائيلي، لا بل حيدناه عن صراعات المحاور وتجنب انعكاساتها السلبية علينا. نحن لم نكن يوما ضد الاجماع العربي او ضد مصلحة القضية الفلسطينية التي حملناها في روحنا ودمنا. لكن السؤال، هل كنا مضطرين لدخول الحرب اسناداً لغزة من موقع المنهك الضعيف في ظل معاناتنا الاقتصادية وشلل المؤسسات وفقدان التوافق الوطني؟ قد لا يكون هذا الكلام جميلاً وربما ثقيلاً على وقع سقوط الشهداء، لكن الشجاعة تفرض علينا الاعتراف بهذا الواقع والقول اننا لم نكن مجبرين باسناد عسكري لغزة في خطوة تفتقر الى قرار الدولة والتوافق الوطني. انا لا اريد ولا اطالب التوافق 100% مع اعترافنا بان ما قامت به اسرائيل يستحق ادانة الجميع وهو ما حصل. لكن من سيعوض عن الشهداء والجرحى والمعوقين؟ ومن يضمن بناء ما دمّر؟ طالما ان كل مواطن لبناني سيدفع الثمن، هل كان كل ذلك ملزماً؟ وهل من المنطق ان تتفلت الامورالى هذا الحد، من دون اي نتيجة مستحقة؟ وهل منعنا سقوط 40 الف شهيد وسقوط غزة؟ وهل احتسبنا ان ابناء غزة سيغادرونها فور وقف اطلاق النها كما فعل شبابنا للعلم والعيش في بلد اخر؟ وهل احتسبنا وجود برامج خبيثة لاستدراج قدراتنا وخبراتنا؟ وهل حمينا غزة فعلاً؟ الجواب بديهي، لم نخدمها من اي زاوية ولربما كانت لدينا آليات عمل اخرى؟
    هل ما زال القرار 1801 يشكل مخرجاً لاستعادة المناطق الحدودية هدوئها؟
انتهاكان اسرائيل هي السبب في افشال تنفيذ القرار 1701 تنفيذاً دقيقاً، مما جعل المقاومة تكثف من نشاطاتها وتسلحها وتوتجدها من دون الالتزام بقرار الدولة التي تمثل الشعب وقرار اجيش. فالاعتداءات الاسرائيلية البحرية والجوية لم تتوقف ومعها التهديد بتدمير لبنان لاعادتنا الى العصر الحجري وهي انعكست سلباً على كل شيء، لذلك كنت وما زلت اعتقد بانه كان علينا التمسك باعلان بعبدا وتطبيقه في موازاة الطلب من الخارج ان يكون اكثر صرامة في اظهار الجرائم الاسرائيلية ومحاسبتها. ان تطبيق القرار 1701 بحذافيره ما زال لمصلحتنا. ما ارغب بان اطرحه على المحاور اللبناني بان ينص في حال تعديله على فرض ترتيبات على جانبي الحدود بعمق 5 او 7 كيلومترات، وان رفضت اسرائيل على العالم ان يبلغها ان هذه الخطوة تضمن مصالح البلدين.
    هل تتوقع من موقعك كقائد سابق للجيش ان يؤدي حراك العسكريين المتقاعدين لنيا حقوقهم ؟ وما هي الآلية الضامنة لمن هم في الخدمة الفعلية ايضاً؟
لا يمكننا ان نتوسع كثيراً في الاقتراحات الممكنة، وتجاربي تدفعني الى التفكير في الكثير منها. فما هو مطروح ليس جديداً. عندما كنت قائداً للجيش تصاعدت لهجة تذمر المستشفيات من اتفاقات الطبابة مع الجيش، وتم التلويح يومها بوقف التعاقد وعدم تجديده مع المؤسسة العسكرية. اعلنت حينها نيتي عدم حماية المستشفيات من الذين يعتدون عليها على قاعدة ان العسكر الفقير ان يقف في وجه المواطن الفقير اذا حرم العسكريون من الطبابة اللائقة. وقد حلت المسألة. اروي هذه الواقعة بكل اسف لأشير بانه لا يجوز وضع العسكر في وجه العسكر. هما لا يمكنني الا  ان اثني  على موقف قائد الجيش الذي نجح في النهاية بجمعهم ومناقشة ما يمكن القيام به، وهذا امر جيد. جميعنا يدرك حجم الازمة المالية، وما علينا سوى ابتداع صيغة فذة تؤمن امكان توفير التأمين الصحي والتقديمات الاجتماعية، وتصحيح رواتب المتقاعدين العسكريين والذي في الخدمة الفعلية بما لا يؤدي الى كسر الموازنة. ما يهمني ان يوفق رئيس الحكومة وقائد الجيش في توفير المخرج الذي يشكل حلاً، وهي خطوات رهن استعادة الدولة عافيتها وقدراتها، وتستعيد مؤسسات الدولة حضورها، والعسكرية والامنية الضامنة لها. والى حينه لا يجوز التلاعب والمساومة على لقمة العسكري وطبابته، فهو ليس بعيداً من ان يتفهم الامكانات المتوافرة.
    كنت اول من اطلق على النازحين السوريين صفة" الوافدين" وعليه ما هي الحلول القابلة لازمة عمرها 13 عاماً؟ وهل تخشى مشاريع الدمج والتوطين ومخاطرها الديمغرافية؟
للاسف موضوع النزوح السوري بدأ انسانياً ولكنه انتهى وجودياً. للتذكير بتلك المرحلة، عندما بدأ النازحون بالتوافد طلبت اكثر من مرة من منبر الامم المتحدة والمنابر العربية بتوزيع عادل للاعباء والاعداد بين الدول ولكن لم يتجاوب معنا احد. واذا عدت الى الوع الحكومي في حينه لم يكن هناك توافق. فالاكثرية الحكومية في حينه كانت لمحور الممانعة ان صح التعبير او لقوى 8 آذار والتي كانت تضم اكثرية ساحقة من 17 وزيراً ولم تتفق مع الوزراء الاخرين على حل يوحد الموقف، وتركت الامور على ما جاءت به التطورات لاحقاً الى ان تعاظمت الازمة ومخاطرها. فلو  نجحت الحكومة في حينه في تنظيم الوجود السوري للوافدين، وضبط الحدود وفقاً لاعلان بعبدا لما وصلنا الى ما نحن عليه اليوم. لذلك، فان ما حصل شكل نوعاً من الممارسات التي عطلت النظام واعاقته. نظامنا رائع شرط تطبيقه للحفاظ على الدولة ومناعتها بدل التلهي بالاتهامات والمناكفات. على كل حال، لا تزال الفرصة متاحة للحل واعادة الوافدين السوريين الى بلادهم، وهناك دور كبير يقع ايضاً على الادارات المحلية. سبق لي ان دعوت المحافظين الى تطبيق القوانين بشكل صحيح. وذكرتهم بعدم صلاحية اي عقد ايجار لوافد من دون ان يكون ملتزماً نظام الاقامة، وممنوع ان يسكن 40 شخصاً في غرفة من 40 متراً. وممنوع عليه ان يعمل من دون اجازة عمل، او يخرق القوانين التي تنظم وجوده في لبنان، وهذه امور لا تحتاج الى قرارات حكومية. وطالما ان الانكسار قائم وفي ظل صمت اخرين، ارتكبت كل هذه المخالفات واصبح البت بها جريمة قانونية.
(ملاحظة: جرت المقابلة قبل انطلاق الهجوم الاسرائيلي على لبنان في 23\9\2024)

تابع الرئيس على
© 2024 ميشال سليمان جميع الحقوق محفوظة