يوم العودة ... مصالحة بريح التاريخية وجولة في الجبل
شدد رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان على الاهمية الكبرى والاستثنائية لما تم التوافق عليه في جلسة الحوار الاخيرة، حسماً لما يتم تداوله عن مؤتمر تأسيسي، بالتأكيد على استكمال تطبيق الطائف مع المحافظة على "المناصفة في المجلس النيابي بالاضافة الى مجلس الشيوخ"، معتبرا ان ذلك لا يقل اهمية عن "اعلان بعبدا"، الذي اكد التمسك به، مذكرا ان اطراف هيئة الحوار جميعا تعاهدوا بالرضى التام عليه.
ودعا الى تنفيذ مقررات الحوار كافة، مناشدا بواجب العودة الى لبنان، والانسحاب من ساحات الجوار، ومؤكدا ضرورة الابتعاد عن صراعات المحاور الخارجية والاقلاع عن وهم الاستعانة بالخارج لاستعادة دور او تحقيق غلبة في الداخل.
ورأى إنَّ الدولة الواحدة، بجيشها الواحد، الذي يمسك وحده بالسلاح وعناصر القدرة من ضمن استراتيجية وطنية للدفاع، هي القادرة على الدفاع عن الوطن، وكسر الحواجز والمنعزلات والغيتوات الطائفية، وتجارب الامن الذاتي والادارات المدنية، والكفيلة بتأمين عودة المهجَّرين وحماية العيش المشترك الحرّ، مؤكدا ان المطلوب من رئيس الجمهورية، رأس المؤسسات، التعاون مع ما يساعد على الدفاع عن لبنان و"اعني هنا المقاومة والسيد حسن نصر الله"، وقال: ان هذا التعاون يجب ان يستمر لكن ضمن رؤية الاستراتيجية الدفاعية التي تحفظ وتحصن الجميع.
واذ نوه بدور النائب جنبلاط، الذي قال انه اقل ما يقال فيه انه بيضة القبان، ووقوفه الى جانبه منذ كان قائدا للجيش، فانه شدد على ان بيت الدين والمختارة هما بيضتان للقبان.
كلام الرئيس سليمان جاء في خلال رعايته احتفال المصالحة في بلدة بريح في الشوف، وفي غداء اقامه النائب جنبلاط على شرفه في المختارة.
وقائع الاحتفال
وكان رئيس الجمهورية وصل عند الحادية عشرة الى مكان الاحتفال في بلدة بريح حيث استقبل بعرض فولكوري ورش الورود قبل يصافح الحضور وفي مقدمهم بطريرك انطاكية وسائر المشرق للموارنة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وشيخ عقل الموحدين الدروز نعيم حسن ومفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو والمفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان ووزيرة المهجرين اليس شبطيني، والنائب وليد جنبلاط والسفير البابوي غابريال كاتشيا ورجال دين وعدد من النواب وفاعليات المنطقة وحشد من الاهالي.
كلمة الوزيرة شبطيني بدأ الاحتفال بالنشيد الوطني الذي انشده الفنان انطوان الصافي، ثم القت الوزيرة شبطيني كلمة جاء فيها:
"فخامة الرئيس العماد ميشال سليمانغبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعيسعادة البك وليد كمال جنبلاط سماحة شيخ العقل القاضي نعيم حسن سماحة مفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو سماحة المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان سعادة السفير البابوي غابريال كاتشيا معالي الوزراء والسادة النواب أيها الحفل الكريم يشرفني أن أقف اليوم لنختم معاً جرحاً من جراح الحرب الأهلية الأليمة ونشهد على إعلان هزيمة التفرقة وانتصار الوحدة الوطنية والعيش المشترك، ووزارة المهجرين تصبح اليوم وزارة العودة من خلال جهود مضنية قام بها وزراء قبلي وكان لهم الفضل الكبير لما وصلنا إليه من إعطاء الحقوق لأصحابها ودفع التعويضات ولو خجولة لمستحقيها والتي أتت كمساعدة من الدولة على قدر إمكانياتها في ورشة إعادة إعمار ما تهدم مع أننا نعلم بأن المطلوب أكثر بكثير.
صحيح أن العودة تأخرت وطالت ولكن الحمدلله قد تحققت وعاد سريان المياه يجري في أنهر التلاقي والتآلف ليصب في بحر الوطن الكبير لبنان، لبنان الفريد بتنوّعه ونسيجه الاجتماعي المتعدد الأهواء الذي بقي رغم كل العواصف أميناً على وحدته، رافضاً لكل أنواع الفتن والانقسام والحروب.
اليوم هو يوم وطني وتاريخي بامتياز ترتفع فيه راية الوفاق والتسامح والتعالي فوق الجراح على أمل أن نتمكن بوحدتنا وتماسكنا من هدم مختلف الحواجز المذهبية والطائفية ومن حماية لبنان المستقبل، لبنان الرسالة والسيادة والحرية والاستقلال.
مبروك لأهل بريح والمنطقة هذا العرس الوطني الكبير، ومشكورة جميع الجهود التي ساهمت في تحقيق المصالحة والعودة بدءاً من فخامتكم ورؤساء الحكومات والمجلس النيابي ووليد بك وسهره الدائم منذ إنشاء الوزارة مروراً ببكركي وغبطة البطريرك الراعي ودعوته الدائمة إلى الشركة والمحبة، وصولاً إلى جميع الفعاليات الروحية والمدنية، وفي هذا السياق لا بدّ أن أشكر موظفي الوزارة وفي مقدّمهم المدير العام المهندس أحمد محمود وموظفي الصندوق ومجلس إدارته وفي مقدّمهم نائب الرئيس الأستاذ حسن بحصلي على جهودهم الكبيرة لإحياء هذا اليوم وإتمام المصالحة والعودة.
ختاماً يا فخامة الرئيس، لن نقول لك وداعاً فأنتم وإنجازاتكم الكبيرة باقون في البال والوجدان، وسيبقى وليد بك وفياً كعادته لمواقف فخامتكم الوطنية ومتفانياً من أجل السلم الأهلي بحكمة واعتدال.
كلمة النائب جنبلاط والقى النائب جنبلاط الكلمة الاتية:
"فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمانسماحة عقل شيخ الدروز الشيخ نعيم حسن سماحة مفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزوسماحة المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد عبد الامير قبلان السادة المطارنة ورجال الدين والرهبان القاصد الرسولي المونسنيور كاتشيا حضرات المشايخ الحفل الكريم نختم اليوم برعاية رئيس البلاد العماد ميشال سليمان الجرح الاخير والاليم لحرب الاخرين على ارضنا.
نقفل معكم، فخامة الرئيس صفحة سوداء من صراع عبثي فرق ومزق بين افراد العائلة الواحدة في هذه القرية الشوفية الوديعة. معكم نفتح صفحة جديدة من العيش المشترك المبني على الاحترام المتبادل للرأي والرأي الاخر، على تثبيت التنوع ضمن الوحدة، على طي صفحة الماضي بما تمثله من الام ومأس واحقاد، وعلى فتح صفحة المستقبل بما تعنيه من انفتاح وتلاق ومحبة.
في هذا اليوم، فخامة الرئيس، تختمون عهدا حافلا بالنجاحات والتحديات والمخاطر قل نظيرها، لقد استطعتم بالرغم من كل شيء قيادة السفينة عبر امواج هائلة كادت لولا حكمتكم وشجاعتكم وصبركم وهدوء اعصابكم ان تغرق السفينة مرات ومرات. لكنكم، حافظتم على رباطة الجأش ووقفتم في مواجهة التحديات بمقاربة واقعية وصارمة عند الضرورة لمنع البلاد من الوقوع في مهب الفراغ او الفوضى الامر الذي نال اعجاب العالم باسره وتقديره.
لقد وضعتم وشاركناكم في صياغة اسس واضحة للسياسة الدفاعية من اجل حماية لبنان وفقط لبنان ترسي امرة الدولة فوق كل اعتبار، عنيت به اعلان بعبدا، ونحن نعلم ان حسرتكم كبيرة كوننا جميعا لم نتمكن من ترجمته عمليا نتيجة الظروف التي جعلت من لبنان جزءا من محور عربي واقليمي حالت دون تطبيقه.
اما وقد وصلنا الى الاستحقاق الرئاسي وسط هذا الصخب والضجيج والضوضاء ووسط انقسام في البلاد لا مثيل له على حاسب المصلحة الوطنية، فانني سأقولها بكل صراحة وراحة ضمير، بان خيار الوسطية والاعتدال والحوار الذي اخترناه سويا والذي سنستمر به يثبت يوما بعد يوم صوابيته في مواجهة دوامة تناحر الاضداد كما يكرس نهج تثبيت الدولة.
ولصاحب الغبطة والنيافة البطريرك الراعي اقول: ان وجودكم اليوم بيننا وبين اهلكم في الجبل، وفي هذه المناسبة التاريخية لوأد هذا الجرح من تلك الحقبة البغيضة السوداء، ان وجودكم هو خطوة مباركة وجبارة تأتي في سياق استكمال مسيرة سلفكم الصالح البطريرك صفير الذي رعى مصالحة الجبل، مصالحة لبنان عام 2001 في المختارة.
وفي هذا السياق، فان جهودكم المستمرة في لبنان والمهجر وسعيكم الدؤوب للتواصل والتفاعل مع ابناء رعيتكم اينما وجدوا وفي كل انحاء الارض، انما يعكس حرصكم عليهم فردا فردا واصراركم على ان تؤكدوا لهم تمسكهم بهم ومشاركتهم همومهم ومشاكلهم وقضاياهم. وهو ما يعكس سلوكا انسانيا يتخطى حواجز التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا ويعطي املا ببقاء المسيحيين خصوصا في هذا الشرق المتغير في هويته ودوره ورسالته. واذا كان الشيء بالشيء يذكر، فاسمحوا لي غبطة البطريرك ان اثمن جهودكم الكبيرة في حفظ الارض وصونها وضرورة ان تتخذ تلك الجهود اشكالا منظمة كي نحافظ واياكم مع سائر مكونات المجتمع اللبناني المتنوع على التعددية التي طالما ميزت لبنان.
واستذكر معكم في هذه المناسبة الارشاد الرسولي الذي ذكر بدور المسيحيين في النهضة العربية، اليازجيان وبطرس البستاني وسواهم العشرات ممن حفروا في التراث العربي علامات غير قابلة للتشويه او الاغفال.
وعلى الرغم من قساوة الظروف السياسية والامنية في المنطقة العربية التي تشهد مخاضا عسيرا من اجل التغيير، غبطة البطريرك، فان وجودكم ، الوجود المسيحي في لبنان والشرق ، هو ضرورة لانه يكمل خارطة التنوع ويعززها بما يتماشى مع مسارها التاريخي ويبعد عنها الاحاديات والثنائيات التي تفقد المجتمع حيويته وتعدديته.
ختاما، كلمة الى اهل بريح، اليوم تبدأ مسيرة جديدة مسيرة التلاقي، مسيرة العيش المشترك، مسيرة الانفتاح، مسيرة التواصل، مسيرة المحبة، مسيرة التعلق بالارض، والسلام عليكم".
كلمة البطريرك الراعي
فخامة الرئيس . إنّ أجمل ما تختتمون به عهدكم رعاية المصالحة في بلدة بريح العزيزة بحضور معالي الأستاذ النائب وليد بك جنبلاط، ووزيرة المهجّرين معالي السيدة أليس شبطيني، وسيادة راعي الأبرشية المطران الياس نصار، وكاهن الرعية الخوري سامي شلهوب وسائر الوجوه الكريمة وأهالي بريح الأحباء.
فيسعدنا أن نحتفل معاً بلقاء العودة والمصالحة في هذه الدار الجديدة، بعد غياب تخطّى الثلاثين سنة، وبوضع حجر الأساس لكنيستَي مار جرجس ومار الياس، وفي أساسهما دماء الشهداء الزكية.يطيب لي أن أشكركم باسم الجميع، فخامة الرئيس، على هذه المبادرة الصادرة من قلبكم الكبير، وقد اعتبرتم قضيّة بريح المزمنة جرحاً نازفاً في منطقة الشوف ينبغي تضميده مهما كلّف الأمر، فيهدأ بالكم، وأنتم تسلّمون قيادة سفينة الوطن إلى رئيس جديد، ننتظر برجاء، ولو ضدّ كلِّ رجاء، من المجلس النيابي انتخابه قبل الخامس والعشرين من أيار الجاري، الذي تفصلنا عنه سبعة أيام فقط، مُلتزمًا هذا المجلس بواجبه الذي دعوتموه إليه بالأمس بموجب المادّة 53 من الدستور.
وفي كلِّ حال، آليتم على نفسكم إجراء هذه المصالحة قبل إنهاء خدمتكم على رأس الدولة العزيزة. وإنّنا نقدّر الجهود التي بذلها والتسهيلات التي قدّمها معالي النائب الأستاذ وليد بك جنبلاط وأصحاب الإرادات الطيبة، كما نقدّر مساعي سيادة راعي الأبرشية.
وأودّ الإعراب عن تقديرنا لمعالي السيدة أليس شبطيني التي وضعت في أولويات خدمتها على رأس وزارة المهجَّرين إنهاء قضيّة بريح وإعطاء أهلها ما يحقّ لهم من مساعدات لكي يعودوا فيبنوا بيوتهم وكنائسهم ويستعيدوا حياتهم الدافئة في بلدتهم الجريحة. ولا يسعني إلّا أن أشكر كلّ السَّادة الوزراء الذين تعاقبوا على هذه الوزارة، والمسؤولين عن إدارة صندوق المهجَّرين.
كما أشكر احبّاءنا أهالي بريح على مؤازرتهم لتحقيق العودة والمصالحة، وعلى طيِّ صفحة الماضي والبدء بحياة جديدة في البلدة، وتطلّعات جديدة بنّاءة، وفاءً لشهدائهم واستحقاقًا لآلامهم.
وإنّنا نناشد الدولة والإدارات المدنيّة المحلّيّة وأصحابَ الشأن إكمال العودة بخلق فرص عمل وإنشاء مشاريع إنمائيّة، تمكّن أبناء البلدة وبناتها من البقاء فيها وإحياء حياتها الاجتماعيّة والراعويّة. والكنيسة حاضرة أيضًا لتعزيز النشاطات الإنمائيّة والروحيّة في هذه المنطقة بالتعاون مع لجانها المحلّيّة.
إنّ الاحتفال بالعودة والمصالحة في بلدة بريح، يعود بنا إلى 7 آب 2001 عندما أرسى أسس المصالحة الوطنية في المنطقة والجبل صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس صفير وصاحب المعالي الأستاذ وليد بك جنبلاط، في عهد مطران الأبرشية آنذاك سيادة المطران طانيوس الخوري. وها نحن اليوم في خطّ استكمالها معكم، فخامة الرئيس، ومع هذه الشخصيات الكريمة. وكما يومها دعا غبطة البطريرك صفير إلى المصالحة الوطنية الشاملة لكلّ المناطق اللبنانية، مثلما حصل غداة الإستقلال ونهاية الإنتداب الفرنسي، يوم اجتمع اللبنانيون، مسيحيّون ومسلمون من جميع الأطراف، وأعلنوا الميثاق الوطني، فإنّنا نحن اليوم أيضاً ندعو اللبنانيين، بكلّ مكوّناتهم، إلى شجاعة الاجتماع معاً، وتجديد ميثاقهم الوطني الذي يحمي الجميع.
أجل، تبقى المصالحة السياسية بين الأفرقاء اللّبنانيين، ولا سيّما فريقَي 8 و14 آذار، هي الغاية المنشودة والأساس. فمنها، كمن مصدر، تتحدّر كلّ المصالحات. لقد وضعنا في "المذكّرة الوطنيّة" التي أصدرناها في 9 شباط الماضي، عناصر المصالحة السياسيّة، انطلاقاً من الثوابت الوطنية المُرتكزة على الميثاق الوطني والدستور.لذا، نحن بحاجة إلى رئيس للجمهورية، ذي شخصيّة تتميّز بالتجرّد من أي مصلحة خاصّة، وبالمصداقيّة، وبتاريخ حياته الحافل بالجمع بين المتباعدين، وبالغيرة على مؤسّسات الدّولة، ويكون قادراً على إجراء هذه المصالحة بالتعاون مع جميع المعنيِّين في الداخل وفي الخارج.
نحن بحاجة إلى رئيسٍ قادر، بصبره وحكمته، على أن يقود مسيرة المصالحة الحقيقيّة التي تنتهي معها حرب المصالح الشّخصيّة، وهي أخطر من الحرب المسلّحة. بها تخمد الخلافات، وتزول العداوات وتتبدّل الذهنيّات . نحتاج إلى رئيس يعمل على مصالحة السياسيّين مع السياسة، هذا الفن الشريف في خدمة الإنسان والخير العام .أجل نحن بحاجة إلى رئيس يستكمل عمل المصالحة والحوار وتقريب وجهات النظر، على أسس الحقيقة والعدالة والإنصاف، هذه التي يتضمّنها الميثاق الوطني والدستور. ومعروف أنّ أساس كلّ مصالحة سياسيّة ووطنية واجتماعية، إنّما ترتكز أوّلاً على المصالحة مع الله والذات، بروح التّوبة والعودة إلى الضمير المستنير بصوت الله في أعماق القلب.
وهي مصالحة لا ترمي سهام الإتّهام إلى الآخر، بل تناقش الذات عن كيفية تصرّفها ومسلكها ونظرتها بالوقوف أمام الله والواجب الشخصيّ وواجب الحالة، فلا يكون أحدٌ آلة صمّاء يحرّكها النافذون. فاعتراض الضمير على الظلم والشرّ والخراب أولى من أي شيءٍ آخر.
وكوننا في صدد وضع حجر الأساس لكنيستَين في هذه الرّعيّة، في إطار المصالحة الشاملة وفي بريح العزيزة بخاصّة، فإنّنا نذكّر المسيحيّين بأنّ المصالحة هي رسالتهم الجوهريّة، على ما يقول بولس الرّسول: "إنّ الله صالحَ العالم مع نفسه بالمسيح، وأودعنا كلمة المصالحة. نحن سفراء المسيح لها. فتصالحوا مع الله "(2 كور 5: 19-20).فلنبنِ كلّ اليوم المصالحة الرّوحيّة والإجتماعيّة والوطنيّة والسّياسيّة، لكي يسلم لبنان ونعيش في الفرح والسّعادة، ونرضيَ الله، عزّ وجلّ، والضمير، صوتَ الله في أعماقنا".
كلمة الرئيس سليمان
"ايها الحفل الكريم، يا ابناء بريح الأصيلين، عائدين ومقيمين. بعد واحدٍ وثلاثين عاماً من الانقسام والفرقة، والتهجير والهجرة، حلَّت لحظة اللقاء.
لقد كنّا طوال سنواتٍ نتعامل جميعاً مع أمنية، وها نحن اليوم، أمام حقيقةٍ ناصعة. فأصحاب العقل والحكمة، يلتقون أَهل المحبَّة والالفة.
انه لقاء وحدة الجبل والبقاء، كما وصفه وليد بك جنبلاط، في لقاء اللجنة المشتركة من المقيمين والعائدين، التي رعيناها في قاعة المحكمة في قصر بيت الدين المقر الرئاسي الصيفي في العام 2010 .
انَّه لقاء الوفاء والمصالحة، لقاء للتاريخ المشترك، والتأكيد على المستقبل الواعد.لقد كانت بلدتكم في المحنة السابقة، مسرحاً لحروبٍ اكبر منها، كما الجبل وكلّ لبنان، اذ تبارز الشرق والغرب، والشقيق والعدو، مستبيحين الارض والبيوت، ومستغلّين القضايا والهواجس، ومتلاعبين بالدماء والارواح، في صراعات محاور حول النفوذ الدولي، واسقاط اتفاقات الصلح المنفرد مع العدو، واستخدام الارض اللبنانية ساحة حربٍ بالوكالة، بديلاً من الساحات الداخلية.
والادهى، أنَّ اللبنانيين، ومنذ اقحامهم في سياق المسألة الشرقية والفتن المتعاقبة، كانوا دوماً الضحيّة في ثوب الجلاَّد، والمقتول عن الآخرين في دور المقاتل لقضيّته، والمقدَّم للنحّر في شكلِ المتقدِّم بحماس للانتحار.
إنَّ تجربة المحن السابقة، اكدَّت ما نحن بصددِ التشديد عليه كلَّ يوم، وهو ضرورة الابتعاد عن صراعات المحاور الخارجية، والاقلاع عن وهم الاستعانة بالخارج لاستعادةِ دور، او تحقيق غلبة في الداخل.
من هنا، وكعبرةٍ مستمَّدة من مآسي الماضي القريب والبعيد، اؤكدِّ التمسُّك بإعلان بعبدا، كاطارٍ وطني متوافق عليه، ووثيقة مؤيَّدة من الامم المتحدة والجامعة العربية، لتحييد لبنان واللبنانيين، عن نزاعات المحاور الاقليمية والدولية.
هذا الاعلان المتمِّم للميثاق الوطني، من شأنِ الالتزام به، التخفيف من تأثير التحوّلات التاريخية، التي تعصف بمحيطنا العربي وخصوصاً في سوريا، على وفاقنا وامننا السياسي والاقتصادي، والمساهمة في امتصاص التداعيات المتَّصلة، كأزمة النازحين والخسائر الاخرى، التي تجاوزت حتى الآن ثمانية مليارات دولار.
لقد تعاهد اطراف هيئة الحوار جميعاً، بالرضى التام، على هذا الاعلان. والوطن لا يقوم إِلا بما يتعاهد اهله عليه.لذلك، وحفاظاً على صحّة العقد الوطني وصفائه، ومن هذا المكان بالذات، مكان العودة، اناشد بواجب العودة الى لبنان، والانسحاب من ساحات الجوار، تلافياً لانعكاساتٍ لاحقة على الجسم اللبناني، في وحدته ونسيجه وخياراته.كذلك ادعو الجميع، الى تنفيذ مقررات الحوار كافة، الذي شارك في جلساته من دون انقطاع، رئيس اللقاء الديموقراطي الاستاذ وليد جنبلاط. وقد كان خير شريك لي، وداعم لمسيرتي الرئاسية طوال السنوات الست، وقد لعب دوراً كبيراً في التوافق على المواضيع الميثاقية كافة، وكان آخرها وابرزها، في جلسة الحوار الاخيرة، والتي قيل عنها انها جلسة فاشلة، بتاريخ 5 ايار حسماً لما يتم تداوله عن مؤتمر تأسيسي، بالتأكيد على استكمال تطبيق الطائف مع المحافظة على "المناصفة في المجلس النيابي بالاضافة الى مجلس الشيوخ"، وهو اول بيان مكتوب يتفق عليه الزعماء على طاولة الحوار وفقاً لما اعلنه رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري، ووافق عليه الحاضرون، ومن بينهم رئيس الحكومة الاستاذ تمام سلام، ورؤساء الحكومات السابقون.
وكان لوليد بك الدور الاساسي في تشجيع هذه المبادرة، وقد كان لهذا القرار اهمية كبرى واستثنائية، لا تقل عن اهمية "اعلان بعبدا" الصادر عن هيئة الحوار بتاريخ 11/6/2012 ايها الحفل الكريم.لقاء اليوم، يؤكد ثوابت، شكّل الخروج عنها استثناءً وكارثة، وتبني العودة اليها والتشبُّث بها، ملاذاً آمناً وضماناً للسلِّم الاهلي والاستقرار.
إنَّ الدولة الواحدة، بجيشها الواحد، الذي يمسك وحده بالسلاح وعناصر القدرة من ضمن استراتيجية وطنية للدفاع، هي القادرة على الدفاع عن الوطن، وكسر الحواجز والمنعزلات والغيتوات الطائفية، وتجارب الامن الذاتي والادارات المدنية، والكفيلة بتأمين عودة المهجَّرين وحماية العيش المشترك الحرّ، المتعدِّد سياسياً وثقافياً ودينياً.لكنَّ هذه الدولة العادلة والقادرة، لا تستطيع من دون ارادة المواطنين، ادارة تنوِّعهم واختلافاتهم ومصالحهم. فالعيش المشترك، لا يدلُّ الى صيغةٍ قانونية او دستورية مجرَّدة، ولكن الى قبول الاخر في العيش والحياة. هو ليس اتفاقاً بين جماعات وفق فلسفة توازن وحذر وخوف من اختلال موازين. انّه قبل ذلك كله، لقاء الجماعات على الحاضر والمستقبل.
الشكر للجنة العودة ولرجال الدين الاجّلاء، وللأستاذ وليد جنبلاط وللأهالي من جميع الطوائف، ولكلِّ من ساهم في وزارة المهجّرين وعلى رأسهم الوزراء المتعاقبون اكرم شهيب وعلاء الدين ترو والسيدة اليس شبطيني على مدى سنواتٍ لإقفال هذا الجرح النازف منذ ثلاثة عقود.
ولا بدّ في هذه المناسبة الجامعة، من التوجه بالتحية الى راعي المصالحة التاريخية البطريرك نصرالله صفير، وخلفه الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، على امل اكمال ما تبقى من ملفات عودة قليلة في القريب العاجل.وببركتكم وحضوركم اليوم صاحب الغبطة، بطريرك الشركة والمحبة، ينطلق ابناء الجبل،نحو بناء مجد جديد وعهد جديد للبنان: مجد خير ومحبة، وعهد عطاء مشترك متجدد.- معكم اليوم صاحب الغبطة، نعيد الى قلب الجبل، جبالاً من طمأنينة، تصنع وجداناً جديداً ومستقبل وطن، في سبيل انسان جديد في لبنان والشرق. - معكم اليوم وابداً، في كل ما ترونه خيراً للبلاد ورفعة للوطن ووحدته، وفي كل خطوة، تهدف الى الدفاع عن مكوّنات الشرق وحضاراتها ومقدساتها، وابرزها المكون المسيحي، وتعزيز تفاعلها مع القضايا العربية المحقة.إنَّ الاخلاص للوطن، يقتضي قبوله كما صنعه التاريخ. وفي التاريخ اوجاع كثيرة.
لكنَّ الايمان ينمو بالوجع والمعاناة، والوجع يقيمنا في المسؤولية ويرفعنا الى القمم.مبروك لكم معانقة حجارة البيوت وتراب الاجداد وطيف الذكريات، يا اهل بريح. ومحبتي وتقديري لجميع من ساهموا في جعل هذه العودة ممكنة.عاشت بريح، عاش الجبل عشتم جميعاً، عاش لبنان والشكر للجندي المجهول العميد نبيل حسون".
وضع حجر اساس
بعد ذلك، انتقل الرئيس سليمان والحضور الى كنيسة مار جريس حيث تم وضع حجر الاساس لاعادة اعمار الكنيسة، قبل ان ينتقل الى دار بريح( بيت الضيعة) ويقص الشريط، لينتقل بعد ذلك ويضع حجر اساس اعادة اعمار كنيسة مار الياس.
غداء المختارة
وظهرا، لبى رئيس الجمهورية دعوة الى مأدبة غداء اقامها النائب جنبلاط على شرفه، واحتفاء بانجاز المصالحة، في دارته في المختارة بحضور السفير البابوي ورجال دين وعدد من الوزراء والنواب وفاعليات المنطقة.
النائب جنبلاط
وقد رحب النائب جنبلاط بالرئيس سليمان، حيث القى كلمة جاء فيها:"باسم اهل الجبل، باسم المشايخ، باسم الرهبان، باسم الحزب، باسم كل اهل الجبل، ارحب بالرئيس ميشال سليمان الذي كان من الرجال الرجال، معه كنا في سفينة هوجاء، لكنه قاد السفينة غبر صعاب جمة واستطاع ان يوصل البلاد الى بر الامان، المختارة ستبقى وفية لكم يا فخامة الرئيس واعتز بصداقتكم الشخصية . معكم نعم اهل الجبل، جميع اهل الجبل من دون استثناء من خدماتكم ومن عطاءاتكم، اهلا وسهلا بكم في المختارة".
رد الرئيس سليمان
ورد الرئيس سليمان فقال:"شكرا للاستاذ وليد جنبلاط ، شكرا لكم على هذا الاستقبال الذي يعبر عن عاطفة اهل الجبل وعن الدور الكبير الذي لعبته دار المختارة، هذه الدار الكريمة، التي انبتت الشهيد كمال جنبلاط السياسي والفيلسوف والاديب، والاستاذ وليد بك جنبلاط، الذي اقل ما يقال فيه انه بيضة القبان. ولكن البلد والوضع يستلزم بيضتين .ان الدلالة لهذا الاستقبال كبيرة جدا، وهي تجسد اولا: تعلق اهل الجبل بالوحدة الوطنية، وثانيا، تعلقهم بالعيش المشترك، وما مصالحة بريح الا اكبر دليل على ذلك، كما تجسد تعلق اهل الجبل بصانعي وقاصدي الخير، وتميزهم بالوفاء. ان هذا الاستقبال يدل ايضا على ضرورة التعاون في كل المجالات. وهنا اتكلم عن تعاون الاقوياء. طبعا، المعقدون يهوون الخصام ويجدون مواقع لهم في الخصام، اكان مع رئيس حكومة او بطريرك او مع زعماء. الا ان هذا لا يبني دولة، فنحن نتطلع الى تعاون الاقوياء. من هنا، حاولت ارساء تعاون مع رؤساء الحكومات بدءا من الرئيس فؤاد السنيورة، مرورا بالرئيس سعد الحريري والرئيس نجيب ميقاتي وصولا اليوم الى الرئيس تمام سلام الذي نعول على دور كبير له. ان هذا التعاون يعمل لتقوية مركز الرئيس وليس العكس. لقد استطاع الرئيس ان يجد مكانا كبيرا له في الوطن جراء التعاون الصادق مع رؤساء الحكومات، وكذلك الامر بالنسبة للتعاون مع رئيس مجلس النواب والسلطة التشريعية لتسيير امور البلد ولو ان رد بعض القوانين او توجيه الرسائل ينظر اليه على انه خلاف. الا ان هذا الموضوع غير صحيح، فنحن اتفقنا وتفاهمنا على كل ما نقوم به وما تقوم به كل سلطة من ضمن واجبها الدستوري. وكذلك الامر بالنسبة للتعاون مع الزعامات الاساسية والبطريرك، فيجب ان تتواءم رئاسة الجمهورية والبطريرك في سبيل خير لبنان ومجده.
لقد فعلنا ذلك ووثيقة مذكرة بكركي كانت تأييدا لما قام به رئيس الجمهورية من تعاون مع زعماء، ولاعلان بعبدا وللاستراتيجية الدفاعية ولحصر السلاح بيد السلطة، كما كانت تأييدا وتأكيدا لكل ما قامت به بعبدا او رئيس الجمهورية بالتعاون مع السلطات الدستورية او مع هيئة الحوار ومع كافة الزعماء اللبنانيين من دون تفرقة .
ومطلوب من رئيس الجمهورية، رأس المؤسسات، التعاون مع ما يساعد على الدفاع عن لبنان، واعني هنا المقاومة والسيد حسن نصر الله. ان هذا التعاون يجب ان يستمر لكن ضمن رؤية الاستراتيجية الدفاعية التي تحفظ وتحصن الجميع. وفي مجال التعاون مع الزعماء، اخص النائب وليد جنبلاط.اضاف رئيس الجمهورية: لقد تعاونا في كل المواضيع التي تكلمت عنها، كما تعاونا في الحوار. وكما ذكرت سابقا، فان الجلسة الاخيرة كانت من اهم الجلسات لان ما كان يتم التداول به عن مؤتمر تأسيسي او المحافظة على المناصفة تم تأكيده بوجود الزعماء المسلمين على طاولة الحوار.
وهذا امر يسجل لهذه الجلسة التي صدر عنها بيان خطي مكتوب لاول مرة يتناول المحافظة على المناصفة واستكمال تطبيق اتفاق الطائف ما يعني حسما نهائيا لموضوع المؤتمرات التأسيسية التي تثير القلق في نفوس اللبنانيين. وقد وقف وليد جنبلاط ايضا الى جانبي في قيادة الجيش، وتعاونا معه في المظاهرات الكبرى، وحافظنا على حرية التعبير، فلم نسمح باضطراب امني، فيما كان القرار السياسي آنذاك بقمع المتظاهرين، الا انه كان لنا رأي آخر انطلاقا من ان الدستور يسمح بحرية التعبير، لذلك لم نقمع المتظاهرين بل حافظنا على الامن. لا يمكن للقرار السياسي ان يتجاوز الدستور وعليه ان يهدف الى حفظ الامن. نحن حفظنا الامن وسمحنا بما ينص عليه الدستور واقصد حرية التعبير للمواطنين من الطرفين.وتابع: وقف وليد جنبلاط الى جانبي في الازمات الكبرى، عندما اشترك الجيش في حرب تموز، وعندما قدت شخصيا 15الف جندي الى الجنوب بعد 36 سنة من غياب الدولة والجيش اللبناني عنه. وهنا كان الفضل للجميع في محاربة العدو وعلى رأسهم المقاومة المدعومة من الجيش ومن كل الشعب اللبناني.لقد وقف وليد جنبلاط الى جانبي ايضا والى جانب الجيش في نهر البارد، وكانت محطة مفصلية مهمة في تاريخ لبنان. ولو لم يضح، آنذاك، هؤلاء الابطال، من جنود وضباط بدمائهم لكان قضي على الجيش وقوى الامن والدولة باكملها في لبنان. وقد زرت الجبل مرارا وحضرت مآتم الشهداء من ضباط وجنود اكان فيه اوفي الاقليم اوفي كافة ارجاء لبنان، و كان الجبل بزعامة وليد جنبلاط يقف الى جانبي بجرأة وشجاعة .هناك من يقفون مع الحق ولا يجرأون على النطق به، الا ان الاديان تنص على المجاهرة بالايمان، فاذا امنا بالدولة علينا بالمجاهرة بذلك دون مراعاة لاي طرف. وختم الرئيس سليمان: اخواني، سيستمر التعاون مع وليد جنبلاط، فما فعلناه سويا يجب ان نحافظ عليه ولن نسمح لاحد ان يستبيح او يسطح الثوابت التي تكلم عنها او نطقنا بها، سنقف دائما نقرع ناقوس الخطر، وندق الجرس عندما يتعامى المسؤولون عن واجبهم وعن الدفاع عن سيادة الدولة وعن الحفاظ على الدستور.لقد استعادت بريح اهلها واستعاد الشوف خصوصيته كما استعادت بيت الدين وهجها وسيدها، سيد القصر.
وقد اصطفت في بيت الدين على مدى ست سنوات متتالية، وكنتم تذهبون بمعظمكم لاستقبال رئيس الجمهورية في قصر بيت الدين حيث حصلت نشاطات مهمة فيه، من اجتماعات لمجلس الوزراء واجتماعات لهيئة الحوار الى استقبالات شخصيات كبرى اجنبية وسفراء معتمدين وشخصيات لبنانية، كما شهد مشاورات حول تأليف الحكومات بالاضافة الى استقبال اهل الجبل بشكل دائم،. كما عقدنا في المحكمة في قصر بيت الدين اول جلسة للجنة المقيمين والعائدين المشتركة لاجل مصالحة بريح. والحمد لله، تمت المصالحة اليوم.