كاغ لـ"النهار": السياسيون اللبنانيون راشدون ويمكنهم انتخاب رئيس لبنان يعاني "مزيجاً ساماً من التحديات" وأنباء عن 900 إرهابي وخلايا نائمة
علي بردى
عشية دخول الشغور الرئاسي سنته الثالثة، جددت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ "تذكير" النواب بواجب الذهاب الى مجلس النواب وإنجاز أولوية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، واصفة الزعماء اللبنانيين بأنهم "راشدون"، لكنها حضتهم على "الترفع عن السياسات المتحزبة" وعدم انتظار أي "تعليمات" من الخارج. وحذرت من أن لبنان يعاني "مزيجاً ساماً من التحديات" ينبغي عدم الإستخفاف بها. وإذ أكدت أن تورط "حزب الله" وآخرين في سوريا أدى الى أخطار أكبر على لبنان، نصحت بالعودة الى سياسة النأي بالنفس، ولا سيما في ظل أنباء تفترض وجود 900 لبناني ممن انضموا الى الجهاد العالمي.
لم تشأ كاغ الذهاب بعيداً مع بعض من يقترح اسمها لخلافة الأمين العام بان كي - مون، على رغم أنها "تتطلع دائماً الى الخدمة في مناصب قيادية رفيعة في المنظومة" الدولية. غير أن الديبلوماسية الهولندية التي تتقن حفنة من اللغات الحية والتي "تتمتع بصفات نادرة" وفقاً لديبلوماسي رفيع من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، شاءت التحدث مع "النهار" في وقت دقيق على هامش مشاركتها مع مجموعة من الخبراء والديبلوماسيين المرموقين عبر العالم في اجتماع رفيع المستوى عن مستقبل الأمم المتحدة واستراتيجيات السلم والأمن الدوليين.
تشعر كاغ أنها في "مكانة متميزة للغاية ومهمة" بموقعها الراهن في لبنان، الذي يعبر الآن "مفترقاً مهماً" في تاريخه بسبب "التطورات والتحديات في المنطقة والأخطار الجوهرية التي ينبغي للبنان أن يواصل التعامل معها يومياً"، مشيرة الى الوضع الأمني والتوترات السياسية، فضلاً عن "الحاجة الى التعامل بفاعلية مع العدد الكبير من اللاجئين". ورأت أن "هناك مزيجاً ساماً من التحديات" يجعل دور الأمم المتحدة "أكثر أهمية" من خلال "ثلاثة أعمدة: السلم والأمن والإستقرار"، علماً أن الأخير يشمل الوضع الإنساني والمساعدة التنموية. ولاحظت أن "لبنان لا يزال فريداً، واللبنانيين لا يتوقفون عن إثارة دهشتي وإعجابي. هم متميزون بعمق، بشكل جميل، بمعنى التسامح، الإبتكار، الروحية الحرة، ولكن في نظام صعب، أليس كذلك؟"، موضحة أن "النظام السياسي راكد حالياً ويتآكل"، على رغم أن "لبنان مهم للغاية، مفتاح لشرق أوسط مختلف". وفي الوقت عينه، ترفض كاغ اعتبار لبنان ساحة "اختبار" للمنطقة، مع أنه "يخدم كمثل لبلدان أخرى بمعنى التنوع، التسامح، العيش المشترك لطوائف مختلفة، والتفاهم العميق والإحترام لوجهات نظر الآخرين". وقالت: "نحتاج الى دولة أقوى لتقديم الخدمات".
ما إن تقترب من المسائل الحرجة عن إخفاق اللبنانيين وطبقتهم السياسية في صون أبسط مقومات الدولة، تستوقف: "حسناً، نحن نتعامل مع راشدين. الزعماء اللبنانيون يتخذون خياراتهم. لبنان بلد مستقل سيد. المجتمع الدولي يمكنه فقط أن يساند، يعلق، أو يحاول توفير توجيه مثلما يفعل مجلس الأمن، أو من خلال مجموعة الدعم الدولية للبنان. لكن كل القرارات، وهذا هو الصحيح، هي قرارات لبنان حصراً".
حتى عندما يواجهها السائل بـ"معطى" حاجة هؤلاء الزعماء الى تعليمات رعاتهم الإقليميين أو الدوليين وجولاتها على هؤلاء الرعاة أملاً في ممارسة نفوذهم على الزعماء اللبنانيين، تعترض: "إنهم راشدون! يعرفون ماذا يفعلون". ولكن "نعم، للبنان بلدان شريكة، لديها مصالح في استقرار لبنان وأمنه" مثل السعودية وايران ومصر وبلدان أخرى اضافة الى المجتمع الدولي. غير أن "لا بديل من القيادة الوطنية"، لافتة الى أن مجلس الأمن "يخاطب الزعماء السياسيين اللبنانيين عن أهمية الترفع عن السياسات المتحزبة". ولاحظت أن "لبنان يعاني والمؤسسات تتآكل. والمجتمع الدولي لا يمكنه أن يذهب أبعد من ذلك"، محذرة من أن "حقيقة أن لبنان لم يتداع، لا تعني أن نفقد بصيرتنا لأهمية محاولة القيام بالمزيد". وشددت على أن مجلس النواب "ينبغي أن يجتمع، القرارات ينبغي أن تتخذ، ينبغي للحكومة أن تنفذ وأن تواصل العمل. لا بديل من ذلك". وعوض لوم النواب عن عدم القيام بدورهم، تفضل "التشجيع والطلب والتذكير بالذهاب الى مجلس النواب لانتخاب رئيس من دون مزيد من الإخفاق". ولا تعتقد أنه من المفيد تحديد أسباب فشل النواب في هذه المهمة، مذكرة بأن "السياسة هي فن التسوية، وفي التسوية تكمن الحلول".
وإذ تحذر من استخدام تعبير "الدولة الفاشلة" لأن "لبنان ليس دولة فاشلة، وليس دولة في طور الفشل"، لاحظت أن "لبنان هش بصورة هائلة بسبب كل التحديات التي يحملها. وفي الهشاشة، تحتاج الى قيادة توجيهية واضحة. الخطوة الأولى تتمثل بالذهاب الى مجلس النواب لانتخاب رئيس".
لا تقارن كاغ دورها الناجح جداً سابقاً كمنسقة خاصة مشتركة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتفكيك برنامج سوريا للأسلحة الكيميائية بما تقوم به راهناً في لبنان، حيث تعمل على "التقدم في تنفيذ القرار 1701 واستراتيجية دعم حماية لبنان من التطرف العنيف، ودعم القوات المسلحة اللبنانية والعملية السياسية". كما أنها تعمل "لئلا يصير لبنان بلداً منسياً". تنطلق خشيتها هذه من أن "ثمة أولويات عديدة تأخذ وقت مجلس الأمن، وقت الزعماء الأرفع في العواصم الدولية. ولذلك فإن قيادة لبنان ينبغي ألا تكون راضية. أنا لا أقول إنهم راضون. ولكن في كل مرة لا يتخذ فيها قرار، فإن لبنان (...) يخسر فرصاً. إذا لم تزرع البذور، لن ترى الزهور التي تتوقعها".
على رغم أنها ليست كالإنتخابات العامة، عبرت عن سعادتها لـ"رؤية الناس ينتخبون" في الإنتخابات البلدية و"انخراطهم في الحياة السياسية"، مبدية اعجابها بوجود لوائح مختلفة و"منافسة صحية". وأشادت بظهور مجموعات جديدة تخوض الإنتخابات على أسس جديدة وهي "تتلاءم مع لبنان وحواره السياسي".
وتحدثت عن زياراتها الى السعودية وايران وروسيا وغيرها في إطار "المساعي الحميدة والإنخراط الدوري مع دول في المنطقة لها نفوذ أو مصلحة في استقرار لبنان وأمنه. هذا طبيعي للغاية. وفي المقابل، إن هذا وقت توتر اقليمي متزايد. ومن المهم لنا في المجتمع الدولي أن نكرر أهمية وقاية لبنان من أي أثر سلبي للتوترات الإقليمية. هذا ليس في مصلحة أحد". وإذ تحض دول العالم على النظر الى لبنان "بصورة كلية وشاملة"، ترى أن الخلاف بين السعودية وايران "غير مساعد. من المهم أن سياسة النأي بالنفس ذات صلة على كل المستويات، وبصورة متساوية، على اللبنانيين أن ينأوا بأنفسهم عن التوترات الإقليمية مباشرة أو غير مباشرة".
وعن الإنتقاد الثابت في تقارير الأمين العام حول تنفيذ القرار 1701 للدعم العسكري الذي تقدمه ايران لـ"حزب الله"، تقول: "نحن متمسكون بما نكتبه في تقارير الأمين العام. لا نغيِّر"، موضحة أنه "لم نر حتى الآن تغييرات على أي مستوى. الدليل على لذة الحلوى في أكلها. ولكن أيضاً هناك مسؤولية ومحاسبة تقع على عاتق القيادات اللبنانية".
وتعليقاً على تعليق المساعدة السعودية للجيش اللبناني، أجابت: "تلقينا تطمينات من وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش أن القوات المسلحة اللبنانية يمكنها مواصلة عملها. وأعلم أن رئيس الوزراء تمام سلام وآخرين على اتصال بالسعودية لمعرفة في أي ظروف وما إذا كان يمكن توطيد العلاقات مجدداً"، مذكرة بأن "القوات المسلحة اللبنانية وتعزيزها عنصر مهم في القرار 1701 ومهمة في رؤية مجموعة الدعم الدولية للبنان"، مشيرة الى اجتماع عقد للدول الأعضاء من أجل التعرف على "بدائل ممكنة" للدعم، لافتة الى أن الولايات المتحدة وفرنسا منخرطتان بفاعلية في هذه الجهود، فضلاً عن أصدقاء كثيرين آخرين للبنان.
وبالإشارة الى الأخطار الناجمة عن وقف المساعدة العسكرية السعودية للجيش ومواصلة الدعم العسكري الايراني لـ"حزب الله" والآثار المختلفة للأزمة السورية ومنها تدفق المقاتلين والإرهابيين عبر الحدود، كررت أن "لبنان يواجه مزيجاً ساماً من التحديات" مما يبعث على "القلق وينبغي عدم الإستخفاف به"، ناصحة بالعودة الى سياسة النأي بالنفس و"إعلان بعبدا" وتقارير الأمين العام الذي يكرر دعواته الى جميع الذين يحاربون في سوريا للعودة الى لبنان.
وإذ نفت علمها بمعلومات عن عدد الإرهابيين الذين يتواجدون في لبنان، أشارت الى "بعض المعلومات من عام 2015 تفترض وجود 900" لبناني ممن انضموا الى الجهاد العالمي في سوريا. "ليست لدينا معلومات واضحة. غير أن هناك ثلاثة عوامل مثيرة للقلق أينما كان. نعلم أن الجماعات المتطرفة تعمل على مفهوم الخلايا النائمة، ولا أعتقد أن لدى لبنان حصانة من ذلك. نعلم أن لبنان يمكن أن يكون هشاً بسبب قربه من سوريا وحدوده السائبة وحقيقة أن هناك حرباً رهيبة قرب العتبة. على رغم ذلك، تحقق تقدم كبير على صعيد إدارة الحدود وبناء قدرات القوات المسلحة اللبنانية والأجهزة المعنية بإدارة الحدود. لبنان يقوم بعمل نموذجي في هذا الشأن. أعتقد أن الظاهرة تتمثل في أننا لم نر مجموعة أكبر من الحوادث".
هل يمكن لبنان تحمل المزيد من اللاجئين وما الذي ينبغي القيام به حيال الإقتراحات في هذا الشأن، تطلعت الى الحل السياسي للأزمة السورية ودعم لبنان في هذه المرحلة الإنتقالية والقيام بالمزيد من أجل فقراء لبنان وايجاد وظائف للذين يشعرون بالتهميش ومواصلة الدعم المالي والإستثمار في البنى التحتية الإقتصادية والإجتماعية وفي التعليم والصحة وتقوية لبنان.
وعبرت عن اعتقادها بأن "لبنان يقوم بعمل رائع لأن هناك عددا كبيرا للاجئين قياساً بعدد السكان"، مؤكدة أن "هذا لا يمكن أن يستمر الى ما لا نهاية".
لا تعرف كاغ ما الذي يعنيه البعض في الكلام عن "مظلة الحماية الدولية للبنان". غير أنها تؤكد "التزام استقرار لبنان وأمنه". لكن "علينا القيام بالمزيد في لبنان. الفرص في لبنان. لا تنظروا الى السماء. لا تتوقعوا درعاً غير مرئية. هذه ليست حرب نجوم".
وتناشد القيادات اللبنانية بأن "التقطوا اللحظة. تمسكوا بالأمل".
كل الأمل في أنها لا تصرخ في وادٍ.